فصل: فصل هَلْ يَنْحَرُ الْمُحْصَرُ هَدْيَهُ حَيْثُ أُحْصِرَ مِنْ حِلّ أَوْ حَرَمٍ؟

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: زاد المعاد في هدي خير العباد (نسخة منقحة)



.مَعْنَى قَوْلِ زَيْدٍ: ابْنَةُ أَخِي وَبَيَانُ أَنّهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَاخَى بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ مَرّةً وَبَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْأَنْصَارِ فِي الْمَرّةِ الثّانِيَةِ:

وَقَوْلُ زَيْدٍ ابْنَةُ أَخِي يُرِيدُ الْإِخَاءَ الّذِي عَقَدَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَيْنَهُ وَبَيْن حَمْزَةَ لَمّا وَاخَى بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ فَإِنّهُ وَاخَى بَيْنَ أَصْحَابِهِ مَرّتَيْنِ فَوَاخَى بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ بَعْضِهِمْ مَعَ بَعْضٍ قَبْلَ الْهِجْرَةِ عَلَى الْحَقّ وَالْمُوَاسَاةِ وَآخَى بَيْن أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَبَيْنَ حَمْزَةَ وَزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ وَبَيْنَ عُثْمَانَ وَعَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَبَيْنَ الزّبَيْرِ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَبَيْنَ عُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ وَبِلَالٍ وَبَيْنَ مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقّاصٍ وَبَيْنَ أَبِي عُبَيْدَةَ وَسَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ وَبَيْنَ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ وَطَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللّهِ. وَالْمَرّةُ الثّانِيَةُ آخَى بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ فِي دَارِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ بَعْدَ مَقْدَمِهِ الْمَدِينَةَ.

.فصل الِاخْتِلَافُ فِي تَسْمِيَتِهَا بِعُمْرَةِ الْقَضَاءِ هَلْ مِنْ الْقَضَاءِ أَوْ مِنْ الْمُقَاضَاةِ:

وَاخْتُلِفَ فِي تَسْمِيَةِ هَذِهِ الْعُمْرَةِ بِعُمْرَةِ الْقَضَاءِ هَلْ هُوَ لِكَوْنِهَا قَضَاءً لِلْعُمْرَةِ الّتِي صُدّوا عَنْهَا أَوْ مِنْ الْمُقَاضَاةِ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ تَقَدّمَا قَالَ الْوَاقِدِيّ: حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ نَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ لَمْ تَكُنْ هَذِهِ الْعُمْرَةُ قَضَاءً وَلَكِنْ كَانَ شَرْطًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَعْتَمِرُوا فِي الشّهْرِ الّذِي حَاصَرَهُمْ فِيهِ الْمُشْرِكُونَ.

.اخْتِلَافُ الْفُقَهَاءِ فِيمَا يَتَرَتّبُ عَلَى مَنْ أُحْصِرَ عَنْ الْعُمْرَةِ وَبَيَانُ حُجَجِهِمْ:

وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا: أَنّ مَنْ أُحْصِرَ عَنْ الْعُمْرَةِ يَلْزَمُهُ الْهَدْيُ وَالْقَضَاءُ وَهَذَا إحْدَى الرّوَايَاتِ عَنْ أَحْمَدَ بَلْ أَشْهَرُهَا عَنْهُ.
وَالثّانِي: لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ الْهَدْيُ وَهُوَ قَوْلُ الشّافِعِيّ وَمَالِكٍ فِي ظَاهِرِ مَذْهَبِهِ وَرِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ أَحْمَدَ.
وَالثّالِثُ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ وَلَا هَدْيَ عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَالرّابِعُ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا هَدْيَ وَهُوَ إحْدَى الرّوَايَاتِ عَنْ أَحْمَدَ. فَمَنْ أَوْجَبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءَ وَالْهَدْيَ احْتَجّ بِأَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَصْحَابَهُ نَحَرُوا الْهَدْيَ حِينَ صُدّوا عَنْ الْبَيْتِ ثُمّ قَضَوْا مِنْ قَابِلٍ قَالُوا: وَالْعُمْرَةُ تَلْزَمُ بِالشّرُوعِ فِيهَا وَلَا يَسْقُطُ الْوُجُوبُ إلّا بِفِعْلِهَا وَنَحْرِ الْهَدْيِ لِأَجْلِ التّحَلّلِ قَبْلَ تَمَامِهَا وَقَالُوا: وَظَاهِرُ الْآيَةِ يُوجِبُ الْهَدْيَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [الْبَقَرَةَ 196]. وَمَنْ لَمْ يُوجِبْهُمَا قَالُوا: لَمْ يَأْمُرْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الّذِينَ أُحْصِرُوا مَعَهُ بِالْقَضَاءِ وَلَا أَحَدًا مِنْهُمْ وَلَا وَقَفَ الْحِلّ عَلَى نَحْرِهِمْ الْهَدْيَ بَلْ أَمَرَهُمْ أَنْ يَحْلِقُوا رُءُوسَهُمْ وَأَمَرَ مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ أَنْ يَنْحَرَ هَدْيَهُ. وَمَنْ أَوْجَبَ الْهَدْيَ دُونَ الْقَضَاءِ احْتَجّ بِقَوْلِهِ: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} وَمَنْ أَوْجَبَ الْقَضَاءَ دُونَ الْهَدْيِ احْتَجّ بِأَنّ الْعُمْرَةَ تَلْزَمُ بِالشّرُوعِ فَإِذَا أُحْصِرَ جَازَ لَهُ تَأْخِيرُهَا لِعُذْرِ الْإِحْصَارِ فَإِذَا زَالَ الْحَصْرُ أَتَى بِهَا بِالْوُجُوبِ السّابِقِ وَلَا يُوجِبُ تَخَلّلُ التّحَلّلِ بَيْنَ الْإِحْرَامِ بِهَا أَوّلًا وَبَيْنَ فِعْلِهَا فِي وَقْتِ الْإِمْكَانِ شَيْئًا وَظَاهِرُ الْقُرْآنِ يَرُدّ هَذَا الْقَوْلَ وَيُوجِبُ الْهَدْيَ دُونَ الْقَضَاءِ لِأَنّهُ جَعَلَ الْهَدْيَ هُوَ جَمِيعُ مَا عَلَى الْمُحْصَرِ فَدَلّ عَلَى أَنّهُ يُكْتَفَى بِهِ مِنْهُ. وَاللّهُ أَعْلَمُ.

.فصل الِاخْتِلَافُ فِي وَقْتِ النّحْرِ لِلْمُحْصَرِ:

نَحْرِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمّا أُحْصِرَ بِالْحُدَيْبِيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنّ الْمُحْصَرَ يَنْحَرُ هَدْيَهُ وَقْتَ حَصْرِهِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ إذَا كَانَ مُحْرِمًا بِعُمْرَةٍ وَإِنْ كَانَ مُفْرِدًا أَوْ قَارِنًا فَفِيهِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا: أَنّ الْأَمْرَ كَذَلِكَ وَهُوَ الصّحِيحُ لِأَنّهُ أَحَدُ النّسُكَيْنِ فَجَازَ الْحِلّ مِنْهُ وَنَحْرُ هَدْيِهِ وَقْتَ حَصْرِهِ كَالْعُمْرَةِ لِأَنّ الْعُمْرَةَ لَا تَفُوتُ وَجَمِيعُ الزّمَانِ وَقْتٌ لَهَا فَإِذَا جَازَ الْحِلّ مِنْهَا وَنَحْرُ هَدْيِهَا مِنْ غَيْرِ خَشْيَةِ فَوَاتِهَا فَالْحَجّ الّذِي يُخْشَى فَوَاتُهُ أَوْلَى وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ إنّهُ لَا يَحِلّ وَلَا يَنْحَرُ الْهَدْيَ إلَى يَوْمِ النّحْرِ وَوَجْهُ هَذَا أَنّ لِلْهَدْيِ مَحِلّ زَمَانٍ وَمَحِلّ مَكَانٍ فَإِذَا عَجَزَ عَنْ مَحِلّ الْمَكَانِ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ مَحِلّ الزّمَانِ لِتَمَكّنِهِ مِنْ الْإِتْيَانِ بِالْوَاجِبِ فِي مَحِلّهِ الزّمَانِيّ وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَا يَجُوزُ لَهُ التّحَلّلُ قَبْلَ يَوْمِ النّحْرِ لِقَوْلِهِ: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلّهُ} [الْبَقَرَةَ 196].

.فصل هَلْ يَتَحَلّلُ الْمُحْصَرُ بِعُمْرَةٍ:

وَفِي نَحْرِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَحِلّهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنّ الْمُحْصَرَ بِالْعُمْرَةِ يَتَحَلّلُ وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللّهُ أَنّ الْمُعْتَمِرَ لَا يَتَحَلّلُ لِأَنّهُ لَا يَخَافُ الْفَوْتَ وَهَذَا تَبْعُدُ صِحّتُهُ عَنْ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللّهُ لِأَنّ الْآيَةَ إنّمَا نَزَلَتْ فِي الْحُدَيْبِيَةِ وَكَانَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَصْحَابُهُ كُلّهُمْ مُحْرِمِينَ بِعُمْرَةٍ وَحَلّوا كُلّهُمْ وَهَذَا مِمّا لَا يَشُكّ فِيهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ.

.فصل هَلْ يَنْحَرُ الْمُحْصَرُ هَدْيَهُ حَيْثُ أُحْصِرَ مِنْ حِلّ أَوْ حَرَمٍ؟

وَفِي ذَبْحِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْحُدَيْبِيَةِ وَهِيَ مِنْ الْحِلّ بِالِاتّفَاقِ دَلِيلٌ عَلَى أَنّ الْمُحْصَرَ يَنْحَرُ هَدْيَهُ حَيْثُ أُحْصِرَ مِنْ حِلّ أَوْ حَرَمٍ وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَأَحْمَدَ وَمَالِكٍ وَالشّافِعِيّ. وَعَنْ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللّهُ رِوَايَةٌ أُخْرَى أَنّهُ لَيْسَ لَهُ نَحْرُ هَدْيِهِ إلّا فِي الْحَرَمِ فَيَبْعَثُهُ إلَى الْحَرَمِ وَيُوَاطِئُ رَجُلًا عَلَى أَنْ يَنْحَرَهُ فِي وَقْتٍ يَتَحَلّلُ فِيهِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَجَمَاعَةٍ مِنْ التّابِعِينَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَهَذَا إنْ صَحّ عَنْهُمْ فَيَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى الْحَصْرِ الْخَاصّ وَهُوَ أَنْ يَتَعَرّضَ ظَالِمٌ لِجَمَاعَةٍ أَوْ لِوَاحِدٍ وَأَمّا الْحَصْرُ الْعَامّ فَالسّنّةُ الثّابِتَةُ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَدُلّ عَلَى خِلَافِهِ وَالْحُدَيْبِيَةُ مِنْ الْحِلّ بِاتّفَاقِ النّاسِ وَقَدْ قَالَ الشّافِعِيّ: بَعْضُهَا مِنْ الْحِلّ وَبَعْضُهَا مِنْ الْحَرَمِ قُلْت: وَمُرَادُهُ أَنّ أَطْرَافَهَا مِنْ الْحَرَمِ وَإِلّا فَهِيَ مِنْ الْحِلّ بِاتّفَاقِهِمْ. وَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللّهُ فِي الْمُحْصَرِ إذَا قَدَرَ عَلَى أَطْرَافِ الْحَرَمِ هَلْ يَلْزَمُهُ أَنْ يَنْحَرَ فِيهِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ لَهُمْ. وَالصّحِيحُ أَنّهُ لَا يَلْزَمُهُ لِأَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَحَرَ هَدْيَهُ فِي مَوْضِعِهِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى أَطْرَافِ الْحَرَمِ وَقَدْ أَخْبَرَ اللّهُ سُبْحَانَهُ أَنّ الْهَدْيَ كَانَ مَحْبُوسًا عَنْ بُلُوغِ مَحِلّهِ وَنَصَبَ الْهَدْيَ بِوُقُوعِ فِعْلِ الصّدّ عَلَيْهِ أَيْ صَدّوكُمْ عَنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَصَدّوا الْهَدْيَ عَنْ بُلُوغِ مَحِلّهِ وَمَعْلُومٌ أَنّ صَدّهُمْ وَصَدّ الْهَدْيِ اسْتَمَرّ ذَلِكَ الْعَامَ وَلَمْ يَزُلْ فَلَمْ يَصِلُوا فِيهِ إلَى مَحِلّ إحْرَامِهِمْ وَلَمْ يَصِلْ الْهَدْيُ إلَى مَحِلّ نَحْرِهِ وَاَللّه أَعْلَمُ.

.فَصْلٌ فِي غَزْوَةِ مُؤْتَةَ:

وَهِيَ بِأَدْنَى الْبَلْقَاءِ مِنْ أَرْضِ الشّامِ وَكَانَتْ فِي جُمَادَى الْأُولَى سَنَةَ ثَمَانٍ وَكَانَ سَبَبُهَا أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعَثَ الْحَارِثَ بْنَ عُمَيْرٍ الْأَزْدِيّ أَحَدَ بَنِي لِهْبٍ بِكِتَابِهِ إلَى الشّامِ إلَى مَلِكِ الرّومِ أَوْ بُصْرَى فَعَرَضَ لَهُ شُرَحْبِيلُ بْنُ عَمْرٍو الْغَسّانِيّ فَأَوْثَقَهُ رِبَاطًا ثُمّ قَدّمَهُ فَضَرَبَ عُنُقَهُ وَلَمْ يُقْتَلْ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَسُولٌ غَيْرُهُ فَاشْتَدّ ذَلِكَ عَلَيْهِ حِينَ بَلَغَهُ الْخَبَرُ فَبَعَثَ الْبُعُوثَ وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ وَقَالَ إنْ أُصِيبَ فَجَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَى النّاسِ فَإِنْ أُصِيبَ جَعْفَرٌ فَعَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَتَجَهّزَ النّاسُ وَهُمْ ثَلَاثَةُ آلَافٍ فَلَمّا حَضَرَ خُرُوجُهُمْ وَدّعَ النّاسُ أُمَرَاءَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَسَلّمُوا عَلَيْهِمْ فَبَكَى عَبْدُ اللّه بْنُ رَوَاحَةَ فَقَالُوا: مَا يُبْكِيك؟ فَقَالَ أَمَا وَاَللّهِ مَا بِي حُبّ الدّنْيَا وَلَا صَبَابَةٌ بِكُمْ وَلَكِنّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقْرَأُ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللّهِ يَذْكُرُ فِيهَا النّار {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبّكَ حَتْمًا مَقْضِيّا} [مَرْيَمَ: 71] فَلَسْت أَدْرِي كَيْفَ لِي بِالصّدَرِ بَعْدَ الْوُرُودِ؟ فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ صَحِبَكُمْ اللّهُ بِالسّلَامَةِ وَدَفَعَ عَنْكُمْ وَرَدّكُمْ إلَيْنَا صَالِحِينَ فَقَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ:
لَكِنّنِي أَسْأَلُ الرّحْمَنَ مَغْفِرَةً ** وَضَرْبَةً ذَاتَ فَرْغٍ تَقْذِفُ الزّبَدَا

أَوْ طَعْنَةً بِيَدَيْ حَرّانَ مُجْهِزَةً ** بِحَرْبَةٍ تُنْفِذُ الْأَحْشَاءَ وَالْكَبِدَا

حَتّى يُقَالَ إذَا مَرّوا عَلَى جَدَثِي ** يَا أَرْشَدَ اللّهُ مِنْ غَازٍ وَقَدْ رَشَدَا

ثُمّ مَضَوْا حَتّى نَزَلُوا مَعَانَ فَبَلَغَ النّاسَ أَنّ هِرَقْلَ بِالْبَلْقَاءِ فِي مِائَةِ أَلْفٍ مِنْ الرّومِ وَانْضَمّ إلَيْهِمْ مِنْ لَخْمٍ وَجُذَامَ وَبَلْقَيْنِ وَبَهْرَاءَ وَبَلِيّ مِائَةُ أَلْفٍ فَلَمّا بَلَغَ ذَلِكَ الْمُسْلِمِينَ أَقَامُوا عَلَى مَعَانَ لَيْلَتَيْنِ يَنْظُرُونَ فِي أَمْرِهِمْ وَقَالُوا: نَكْتُبُ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَنُخْبِرُهُ بِعَدَدِ عَدُوّنَا فَإِمّا أَنْ يُمِدّنَا بِالرّجَالِ وَإِمّا أَنْ يَأْمُرَنَا بِأَمْرِهِ فَنَمْضِيَ لَهُ فَشَجّعَ النّاسَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَقَالَ يَا قَوْمِ وَاَللّهِ إنّ الّذِي تَكْرَهُونَ لَلّتِي خَرَجْتُمْ تَطْلُبُونَ الشّهَادَةُ وَمَا نُقَاتِلُ النّاسَ بِعَدَدٍ وَلَا قُوّةٍ وَلَا كَثْرَةٍ مَا نُقَاتِلُهُمْ إلّا بِهَذَا الدّينِ الّذِي أَكْرَمَنَا بِهِ اللّهُ فَانْطَلِقُوا فَإِنّمَا هِيَ إحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ إمّا ظَفَرٌ وَإِمّا شَهَادَةٌ. فَمَضَى النّاسُ حَتّى إذَا كَانُوا بِتُخُومِ الْبَلْقَاءِ لَقِيَتْهُمْ الْجُمُوعُ بِقَرْيَةٍ يُقَالُ لَهَا: فَدَنَا الْعَدُوّ وَانْحَازَ الْمُسْلِمُونَ إلَى مُؤْتَةَ فَالْتَقَى النّاسُ عِنْدَهَا فَتَعَبّى الْمُسْلِمُونَ ثُمّ اقْتَتَلُوا وَالرّايَةُ فِي يَدِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ فَلَمْ يَزَلْ يُقَاتِلُ بِهَا حَتّى شَاطَ فِي رِمَاحِ الْقَوْمِ وَخَرّ صَرِيعًا وَأَخَذَهَا جَعْفَرٌ فَقَاتَلَ بِهَا حَتّى إذَا أَرْهَقَهُ الْقِتَالُ اقْتَحَمَ عَنْ فَرَسِهِ فَعَقَرَهَا ثُمّ قَاتَلَ حَتّى قُتِلَ فَكَانَ جَعْفَرٌ أَوّلَ مَنْ عَقَرَ فَرَسَهُ فِي الْإِسْلَامِ عِنْدَ الْقِتَالِ فَقُطِعَتْ يَمِينُهُ فَأَخَذَ الرّايَةَ بِيَسَارِهِ. فَقُطِعَتْ يَسَارُهُ فَاحْتَضَنَ الرّايَةَ حَتّى قُتِلَ وَلَهُ ثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ سَنَةً ثُمّ أَخَذَهَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ وَتَقَدّمَ بِهَا وَهُوَ عَلَى فَرَسِهِ فَجَعَلَ يَسْتَنْزِلُ نَفْسَهُ وَيَتَرَدّدُ بَعْضَ التّرَدّدِ ثُمّ نَزَلَ فَأَتَاهُ ابْنُ عَمّ لَهُ بِعَرْقٍ مِنْ لَحْمٍ فَقَالَ شُدّ بِهَا صُلْبَك فَإِنّك قَدْ لَقِيت فِي أَيّامِكَ هَذِهِ مَا لَقِيت فَأَخَذَهَا مِنْ يَدِهِ فَانْتَهَسَ مِنْهَا نَهْسَةً ثُمّ سَمِعَ الْحَطْمَةَ فِي نَاحِيَةِ النّاسِ فَقَالَ وَأَنْتَ فِي الدّنْيَا ثُمّ أَلْقَاهُ مِنْ يَدِهِ ثُمّ أَخَذَ سَيْفَهُ وَتَقَدّمَ فَقَاتَلَ حَتّى قُتِلَ ثُمّ أَخَذَ الرّايَةَ ثَابِتُ بْنُ أَقْرَمَ أَخُو بَنِي عَجْلَانَ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ اصْطَلِحُوا عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ قَالُوا: أَنْتَ قَالَ مَا أَنَا بِفَاعِلٍ فَاصْطَلَحَ النّاسُ عَلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ فَلَمّا أَخَذَ الرّايَةَ دَافَعَ الْقَوْمَ وَحَاشَ بِهِمْ ثُمّ انْحَازَ بِالْمُسْلِمِينَ وَانْصَرَفَ بِالنّاسِ.

.مَنْ الْمُنْتَصِرُ؟

وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ سَعْدٍ أَنّ الْهَزِيمَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ. وَاَلّذِي فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيّ أَنّ الْهَزِيمَةَ كَانَتْ عَلَى الرّومِ. وَالصّحِيحُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ إسْحَاقَ أَنّ كُلّ فِئَةٍ انْحَازَتْ عَنْ الْأُخْرَى.

.إطْلَاعُ اللّهِ رَسُولَهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِخَبَرِ أَصْحَابِهِ:

وَأَطْلَعَ اللّهُ سُبْحَانَهُ عَلَى ذَلِكَ رَسُولَهُ مِنْ يَوْمِهِمْ ذَلِكَ فَأَخْبَرَ بِهِ أَصْحَابَهُ وَقَالَ لَقَدْ رُفِعُوا إلَيّ فِي الْجَنّةِ فِيمَا يَرَى النّائِمُ عَلَى سُرُرٍ مِنْ ذَهَبٍ فَرَأَيْتُ فِي عَبْدِ اللّهِ بْنِ رَوَاحَةَ ازْوِرَارًا عَنْ سَرِيرِ صَاحِبَيْهِ فَقُلْت: عَمّ هَذَا؟ فَقِيلَ لِي: مَضَيَا وَتَرَدّدَ عَبْدُ اللّهِ بَعْضَ التّرَدّدِ ثُمّ مَضَى. وَذَكَرَ عَبْدُ الرّزّاقِ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ ابْنِ جُدْعَانَ عَنْ ابْنِ الْمُسَيّبِ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُثّلَ لِي جَعْفَرٌ وَزَيْدٌ وَابْنُ رَوَاحَةَ فِي خَيْمَةٍ مِنْ دُرّ كُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى سَرِيرٍ فَرَأَيْتُ زَيْدًا وَابْنَ رَوَاحَةَ فِي أَعْنَاقِهِمَا صُدُودٌ وَرَأَيْتُ جَعْفَرًا مُسْتَقِيمًا لَيْسَ فِيهِ صُدُودٌ قَالَ فَسَأَلْتُ أَوْ قِيلَ لِي: إنّهُمَا حِينَ غَشِيَهُمَا الْمَوْتُ أَعْرَضَا أَوْ كَأَنّهُمَا صَدّا بِوُجُوهِهِمَا وَأَمّا جَعْفَرٌ فَإِنّهُ لَمْ يَفْعَلْ وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي جَعْفَرٍ إنّ اللّهَ أَبْدَلَهُ بِيَدَيْهِ جَنَاحَيْنِ يَطِيرُ بِهِمَا فِي الْجَنّةِ حَيْثُ شَاءَ.

.جِرَاحَاتُ جَعْفَرٍ:

قَالَ أَبُو عُمَرَ وَرَوَيْنَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنّهُ قَالَ وَجَدْنَا مَا بَيْنَ صَدْرِ جَعْفَرٍ وَمَنْكِبَيْهِ وَمَا أَقْبَلَ مِنْهُ تِسْعِينَ جِرَاحَةً مَا بَيْنَ ضَرْبَةٍ بِالسّيْفِ وَطَعْنَةٍ بِالرّمْحِ.

.إخْبَارُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَسُولَ مُؤْتَةَ عَمّا حَدَثَ فِيهَا:

وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: قَدِمَ يَعْلَى بْنُ منية عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِخَبَرِ أَهْلِ مُؤْتَةَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنْ شِئْتَ فَأَخْبِرْنِي وَإِنْ شِئْتَ أَخْبَرْتُكَ قَالَ أَخْبِرْنِي يَا رَسُولَ اللّهِ فَأَخْبَرَهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَبَرَهُمْ كُلّهُ وَوَصَفَهُمْ لَهُ فَقَالَ وَاَلّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقّ مَا تَرَكْتَ مِنْ حَدِيثِهِمْ حَرْفًا وَاحِدًا لَمْ تَذْكُرْهُ وَإِنّ أَمْرَهُمْ لَكَمَا ذَكَرْت فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّ اللّهَ رَفَعَ لِي الْأَرْضَ حَتّى رَأَيْتُ مُعْتَرَكَهُمْ.

.شُهَدَاءُ مُؤْتَةَ:

وَاسْتُشْهِدَ يَوْمَئِذٍ جَعْفَرٌ وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ وَمَسْعُودُ بْنُ الْأَوْسِ وَوَهْبُ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ وَعَبّادُ بْنُ قَيْسٍ وَحَارِثَةُ بْنُ النّعْمَانِ وَسُرَاقَةُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَطِيّةَ وَأَبُو كُلَيْبٍ وَجَابِرٌ ابْنَا عَمْرِو بْنِ زَيْدٍ وَعَامِرٌ وَعَمْرٌو ابْنَا سَعِيدِ بْنِ الْحَارِثِ وَغَيْرُهُمْ.

.إنْشَادُ ابْنِ رَوَاحَةَ:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَنّهُ حُدّثَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ كُنْتُ يَتِيمًا لِعَبْدِ اللّهِ بْنِ رَوَاحَةَ فِي حِجْرِهِ فَخَرَجَ بِي فِي سَفَرِهِ ذَلِكَ مُرْدِفِي عَلَى حَقِيبَةِ رَحْلِهِ فَوَاَللّهِ إنّهُ لَيَسِيرُ لَيْلَةً إذْ سَمِعْتُهُ وَهُوَ يُنْشِدُ:
إذَا أَدْنَيْتِنِي وَحَمَلْتِ رَحْلِي ** مَسِيرَةَ أَرْبَعٍ بَعْدَ الْحِسَاءِ

فَشَأْنَكِ فَانْعَمِي وَخَلَاكِ ذَمّ ** وَلَا أَرْجِعْ إلَى أَهْلِي وَرَائِي

وَجَاءَ الْمُسْلِمُونَ وَغَادَرُونِي ** بِأَرْضِ الشّامِ مُسْتَنْهَى الثّوَاءِ

.فصل وَهْمٌ فِي التّرْمِذِيّ بِإِنْشَادِ ابْنِ رَوَاحَةَ يَوْمَ الْفَتْحِ:

وَقَدْ وَقَعَ فِي التّرْمِذِيّ وَغَيْرِهِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ دَخَلَ مَكّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ بَيْنَ يَدَيْهِ يُنْشِدُ:
خَلّوا بَنِي الْكُفّارِ عَنْ سَبِيلِهِ

الْأَبْيَاتَ.
وَهَذَا وَهْمٌ فَإِنّ ابْنَ رَوَاحَةَ قُتِلَ فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ وَهِيَ قَبْلَ الْفَتْحِ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَإِنّمَا كَانَ يُنْشَدُ بَيْنَ يَدَيْهِ شِعْرُ ابْنِ رَوَاحَةَ وَهَذَا مِمّا لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ أَهْلِ النّقْلِ.

.فَصْلٌ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ السّلَاسِلِ:

وَهِيَ وَرَاءَ وَادِي الْقُرَى بِضَمّ السّينِ الْأُولَى وَفَتْحِهَا لُغَتَانِ وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ عَشَرَةُ أَيّامٍ وَكَانَتْ فِي جُمَادَى الْآخِرَةِ سَنَةَ ثَمَانٍ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: بَلَغَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّ جَمْعًا مِنْ قُضَاعَةَ قَدْ تَجَمّعُوا يُرِيدُونَ أَنْ يُدْنُوا إلَى أَطْرَافِ الْمَدِينَةِ فَدَعَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ فَعَقَدَ لَهُ لِوَاءً أَبْيَضَ وَجَعَلَ مَعَهُ رَايَةً سَوْدَاءَ وَبَعَثَهُ فِي ثَلَاثِمِائَةٍ مِنْ سَرَاةِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَمَعَهُمْ ثَلَاثُونَ فَرَسًا وَأَمَرَهُ أَنْ يَسْتَعِينَ بِمَنْ مَرّ بِهِ مِنْ بَلِيّ وَعُذْرَةَ وَبَلْقَيْنِ فَسَارَ اللّيْلَ وَكَمَنَ النّهَارَ فَلَمّا قَرُبَ مِنْ الْقَوْمِ بَلَغَهُ أَنّ لَهُمْ جَمْعًا كَثِيرًا فَبَعَثَ رَافِعَ بْنَ مَكِيثٍ الْجُهَنِيّ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَسْتَمِدّهُ فَبَعَثَ إلَيْهِ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرّاحِ فِي مِائَتَيْنِ وَعَقَدَ لَهُ لِوَاءً وَبَعَثَ لَهُ سَرَاةَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَفِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَأَمَرَهُ أَنْ يَلْحَقَ بِعَمْرٍو وَأَنْ يَكُونَا جَمِيعًا وَلَا يَخْتَلِفَا فَلَمّا لَحِقَ بِهِ أَرَادَ أَبُو عُبَيْدَةَ أَنْ يَؤُمّ النّاسَ فَقَالَ عَمْرٌو: إنّمَا قَدِمْتَ عَلَيّ مَدَدًا وَأَنَا الْأَمِيرُ فَأَطَاعَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ فَكَانَ عَمْرٌو يُصَلّي بِالنّاسِ وَسَارَ حَتّى وَطِئَ بِلَادَ قُضَاعَةَ فَدَوّخَهَا حَتّى أَتَى إلَى أَقْصَى بِلَادِهِمْ. وَلَقِيَ فِي آخِرِ ذَلِكَ جَمْعًا فَحَمَلَ عَلَيْهِمْ الْمُسْلِمُونَ فَهَرَبُوا فِي الْبِلَادِ وَتَفَرّقُوا وَبَعَثَ عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيّ بَرِيدًا إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَخْبَرَهُ بِقُفُولِهِمْ وَسَلَامَتِهِمْ وَمَا كَانَ فِي غَزَاتِهِمْ. وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ نُزُولَهُمْ عَلَى مَاءٍ لِجُذَامَ يُقَالُ لَهُ السّلْسَلُ قَالَ وَبِذَلِكَ سُمّيَتْ ذَاتَ السّلَاسِلِ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ أَبِي عَدِيّ عَنْ دَاوُدَ عَنْ عَامِرٍ قَالَ بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ جَيْشَ ذَاتِ السّلَاسِلِ فَاسْتَعْمَلَ أَبَا عُبَيْدَةَ عَلَى الْمُهَاجِرِينَ وَاسْتَعْمَلَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ عَلَى الْأَعْرَابِ وَقَالَ لَهُمَا: تَطَاوَعَا قَالَ وَكَانُوا أُمِرُوا أَنْ يُغِيرُوا عَلَى بَكْرٍ فَانْطَلَقَ عَمْرٌو وَأَغَارَ عَلَى قُضَاعَةَ لِأَنّ بَكْرًا أَخْوَالُهُ قَالَ فَانْطَلَقَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ إلَى أَبِي عُبَيْدَةَ فَقَالَ إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اسْتَعْمَلَك عَلَيْنَا وَإِنّ ابْنَ فُلَانٍ قَدْ اتّبَعَ أَمْرَ الْقَوْمِ فَلَيْسَ لَك فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَمَرَنَا أَنْ نَتَطَاوَعَ فَأَنَا أُطِيعُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَإِنْ عَصَاهُ عَمْرٌو.